فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَلَوْ شَاء الله}.
مشيئةَ قسرٍ وإلجاء {لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقةً على الإسلام {ولكن} لا يشاء ذلك لكونه مزاحِمًا لقضية الحِكمة بل {يُضِلُّ مَن يَشَاء} إضلالَه أي يخلق فيه الضلالَ حسبما يصرِفُ اختيارَه الجزئيَّ إليه {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} هدايته حسبما يصرِف اختيارَه إلى تحصيلها {وَلَتُسْئَلُنَّ} جميعًا يوم القيامة {عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا، وهذا إشارةٌ إلى ما لُوِّح به من الكسب الذي عليه يدور أمرُ الهداية والضلال.
{وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ}.
تصريحٌ بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدًا ومبالغةً في بيان قبحِ المنهيِّ عنه وتمهيدًا لقوله سبحانه: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ} عن مَحَجّة الحق {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} عليها ورسوخِها فيها بالإيمان، وإفرادُ القدم وتنكيرُها للإيذان بأن زلَلَ قدمٍ واحدة أيَّ قدمٍ كانت عزّت أو هانت محذورٌ عظيم فكيف بأقدام كثيرة {وَتَذُوقُواْ السوء} أي العذابَ الدنيوي {بِمَا صَدَدتُّمْ} بصدودكم أو بصدّكم غيرَكم {عَن سَبِيلِ الله} الذين ينتظم الوفاء بالعهود والأيمان، فإن من نقض البَيعةَ وارتدّ جَعل ذلك سنةً لغيره {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله} أي لا تأخذوا بمقابلة عهدِه تعالى وبَيعةِ رسوله عليه السلام أو آياتِه الناطقة بإيجاب المحافظةِ على العهود والأيمان {ثَمَنًا قَلِيلًا} أي لا تستبدلوا بها عرَضًا يسيرًا وهو ما كانت قريشٌ يعِدّون ضعفةَ المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد من حُطام الدنيا {إِنَّمَا عِنْدَ الله} عز وجل من النصر والتنعيم والثوابِ الأخرويّ {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} مما يعِدونكم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم من أهل العلمِ والتمييزِ، وهو تعليلٌ للنهي على طريقة التحقيقِ كما أن قوله تعالى: {مَا عِندَكُمْ} تعليلٌ للخيرية بطريق الاستئنافِ أي ما تتمتعون به من نعيم الدنيا وإن جل بل الدنيا وما فيها جميعًا {يَنفَدُ} وإن جمّ عددُه، وينقضي وإن طال أمدُه {وَمَا عِندَ الله} من خزائن رحمتِه الدنيوية والأخروية {بَاقٍ} لا نفادَ له، أما الأخرويةُ فظاهرةٌ وأما الدنيويةُ فحيث كانت موصولةً بالأخروية ومستتبِعةً لها فقد انتظمت في سِمْط الباقيات.
وفي إيثار الاسمِ على صيغة المضارعِ من الدلالة على الدوام ما لا يخفى، وقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ} بنون العظمة على طريقة الالتفاتِ تكريرُ الوعد المستفادِ من قوله تعالى: {إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} على نهج التوكيدِ القسميِّ مبالغةٌ في الحمل على الثبات في الدين، والالتفاتُ عما يقتضيه ظاهرُ الحال من أن يقال: ولنجزينكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون، للتوسل إلى التعرض لأعمالهم والإشعارِ بعليتها للجزاء أي والله لنجزين {الذين صَبَرُواْ} على أذية المشركين ومشاقِّ الإسلام التي من جملتها الوفاء بالعهود والفقرُ، وقرئ بالياء من غير التفاتٍ {أَجْرَهُمْ} مفعولٌ ثانٍ لنجزين أي لنُعطِينّهم أجرَهم الخاصَّ بهم بمقابلة صبرِهم على ما مُنوا به من الأمور المذكورة {بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكورِ، وإنما أضيف إليه الأحسنُ للإشعار بكمال حسنِه كما في قوله سبحانه: {وَحُسْنَ ثَوَابِ الأخرة} لا لإفادة قصرِ الجزاء على الأحسن منه دون الحسَن، فإن ذلك مما لا يخطر ببال أحد، لاسيما بعد قوله تعالى: {أَجْرَهُمْ} و{لنجزينهم} بحسب أحسنِ أفرادِ أعمالِهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفردِ الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفردِ الأعلى منها من الأجر الجزيلِ لا أنا نُعطي الأجر بحسب أفرادِها المتفاوتةِ في مراتب الحسن بأن نجزيَ الحسنَ منها بالأجر الحسَنِ والأحسنَ بالأحسن.
وفيه ما لا يخفى من العُهدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصبر من بعض جزَعٍ، ونظمِه في سلك الصبر الجميل، أو لنجزينهم بجزاء أحسنَ من أعمالهم.
وأما التفسيرُ بما ترجح فعلُه من أعمالهم كالواجبات والمندوبات أو بما ترجح تركُه أيضًا كالمحرمات والمكروهات دلالةً على أن ذلك هو المدارُ للجزاء دون ما يستوي فعلُه وتركُه كالمباحات، فلا يساعده مقامُ الحثِّ على الثبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنةِ المخصوصة والترغيبِ في تحصيل ثمراتها، بل التعرضُ لإخراج بعض أعمالِهم عن مدارية الجزاء من قبيل تحجيرِ الرحمةِ الواسعة في مقام توسيعِ حِماها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ}.
أيها الناس {أُمَّةً وَاحِدَةً} متفقة على الإسلام {ولكن} لا يشاء ذلك رعاية للحكمة بل {يُضِلُّ مَن يَشَاء} إضلاله بأن يخلق فيه الضلال حسبما يصرف اختياره التابع لاستعداده له {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} هدايته حسبما يصرف اختياره التابع لاستعداده لتحصيلها {وَلَتُسْئَلُنَّ} جميعًا يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة لا سؤال استفسار وتفهم {عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تستمرون على عمله في الدنيا بقدركم المؤثرة بإذن الله تعالى، والآية ظاهرة في أن مشيئة الله تعالى لإسلام الخلق كلهم ما وقعت وأنه سبحانه إنما شاء منهم الافتراق والاختلاف، فإيمان وكفر وتصديق وتكذيب ووقع الأمر كما شاء جل وعلا، والمعتزلة ينكرون كون الضلال بمشيئته تعالى ويزعمون أنه سبحانه إنما شاء من الجميع الايمان ووقع خلاف ما شاء عز شأنه.
وأجاب الزمخشري عن الآية بأن المعنى لو شاء على طريقة الإلجاء والفسر لجعلكم أمة واحدة مسلمة فإنه سبحانه قادر على ذلك لكن اقتضت الحكمة أن يضل ويخذل من يشاء ممن علم سبحانه أنه يختار الكفر ويصمم عليه ويهدي من يشاء بأن يلطف بمن علم أنه يختار الايمان، والحاصل أنه تعالى بني الأمر على الاختيار وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ولم ينبه على الاجبار الذي لا يستحق به شيء ولو كان العبيد مضطرين للهداية والضلال لما أثبت سبحانه لهم عملًا يسئلون عنه بقوله: {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ} اه، وللعسكري نحوه، وقد قدمنا لك غير مرة أن المذهب الحق على ما بينه علامة المتأخرين الكوراني وألف فيه عدة رسائل أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى لا أنه لا قدرة له أصلًا كما يقول الجبرية ولا أن له قدرة مقارنة غير مؤثرة كما هو المشهور عند الأشعرية ولا أن له قدرة مؤثرة وإن لم يؤذن لله تعالى كما يقول المعتزلة وإن له اختيارًا أعطيه بعد طلب استعداده الثابت في علم الله تعالى له فللعبد في هذا المذهب اختيار والعبد مجبور فيه بمعنى أنه لابد من أن يكون له لأن استعداده الأزلي الغير المجعول قد طلبه من الجواد المطلق والحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها والإثابة والتعذيب إنما يترتبان على الاستعداد للخير والشر الثابت في نفس الأمر والخير والشر يدلان على ذلك نحو دلالة الأثر على المؤثر والغاية على ذي الغاية وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ومن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجه غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
وقال ابن المنير: إن أهل السنة عن الإجبار بمعزل لأنهم يثبتون للعبد قدرة واختيارًا وأفعالًا وهم مع ذلك يوحدون الله تعالى حق توحيده فيجعلوه قدرته سبحانه هي الموجدة والمؤثرة وقدرة العبد مقارنة فحسب وبذلك يميز بين الاختياري والقسري وتقوم حجة الله تعالى على عباده اه وهذا هو المشهور من مذهب الأشعرية وهو كما ترى، وسيأتي أن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام وما فيه من النقض والإبرام.
{وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ}.
قالوا هو تصريح بالنهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا بعد التضمين لأن الاتخاذ المذكور فيما سبق وقع قيدًا للمنهي عنه فكان منهيًا عنه ضمنًا تأكيدًا ومبالغة في قبح النهي عنه وتمهيدًا لقوله تعالى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ} عن محجة الحق {بَعْدَ ثُبُوتِهَا} عليها ورسوخها فيها بالأيمان، وقيل ما تقدم كان نهيًا عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة وما هنا نهى عن الدخل في الأيمان التي يراد بها اقتطاع الحقوق فكأنه قيل: لا تتخذوا أيمانكم دخلًا بينكم لتتوصلوا بذلك إلى قطع حقوق المسلمين.
وقال أبو حيان: لم يتكرر النهي فإن ما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلًا معللًا بشيء خاص وهو أن تكون أمة هي أربى من أمة وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الايمان دخلًا على العموم فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة وقطع الحقوق المالية وغير ذلك.
ورد بأن قيد المنهي عنه منهى عنه فليس إخبارًا صرفًا ولا عموم في الثاني لأن قوله تعالى: {فَتَزِلَّ} إلخ. إشارة إلى العلة السابقة إجمالًا على أنه قد يقال: إن الخاص مذكور في ضمن العام أيضًا فلا محيص عن التكرار أيضًا ولو سلم ما ذكره فتأمل، ونصب تزل بأن مضمرة في جواب النهي لبيان ما يترتب عليه ويقتضيه، قال في البحر وهو استعارة للوقوع في أمر عظيم لأن القدم إذا زلت انقلبت الإنسان من حال خير إلى حال شر، وتوحيد القدم وتنكيرها كما قال الزمخشري للإيذان بأن زلل قدم واحدة أي قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام، وقال أبو حيان: إن الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع وتارة يلحظ فيه كل فرد فرد وفي الأول يكون الإسناد معتبرًا فيه الجمعية وفي الثاني يكون الإسناد مطابقًا للفظ الجمع كثيرًا فيجمع ما أسند إليه ومطابقًا لكل فرد فيفرد كقوله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ متكأ} [يوسف: 31]. فأفرد المتكأ لما لوحظ في {قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} كل واحدة منهن ولو جاء مرادًا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع وعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله:
فإن يوجدت الضامرين متاعهم ** يموت ويفنى فارضخي من وعائيا

أي كل ضامر، ولذا أفرد الضمير في يموت ويفنى، ولما كان المعنى هنا لا يتخذ كل واحد منكم جاء {فَتَزِلَّ قَدَمٌ} مراعاة لهذا المعنى، ثم قال سبحانه: {وَتَذُوقُواْ السوء} مراعاة للمجموع أو للفظ الجمع على الوجه الكثير إذ قلنا: إن الإسناد لكل فرد فرد فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد ودل على ذلك بإفراد {قَدَمٌ} وجمع الضمير في {وَتَذُوقُواْ}.
وتعقب بأن ما ذكره الزمخشري نكتة سرية وهذا توجيه للأفراد من جهة العربية فلا ينافي النكتة المذكورة، والمراد من السوء العذاب الدنيوي من القتل والأسر والنهب والجلاء غير ذلك مما يسوء ولا يخفى ما في {تذوقوا} من الاستعارة {السوء بِمَا صَدَدتُّمْ} بسبب صدودكم وإعراضكم أو صد غيركم ومنعه {عَن سَبِيلِ الله} الذي ينتظم الوفاء بالعهود والأيمان فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره يتبعه فيها من بعده من أهل الشقاء والإعراض عن الحق فيكون صادًا عن السبيل.
وجعل ذا بعضهم دليلًا أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كما ترى {وَلَكُمْ في الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} لا يعلم عظمه إلا الله تعالى.
{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله}.
المراد به عند كثير بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الايمان والاشتراء مجاز عن الاستبدال لمكان قوله تعالى: {ثَمَنًا قَلِيلًا} فإن الثمن مشترى لا مشترى به أي لا تأخذوا بمقابلة عهده تعالى عوضًا يسيرًا من الدنيا، قال الزمخشري: كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم ولما كانوا يعدونهم من المواعيد إن رجعوا أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله تعالى بهذه الآية ونهاهم عن أن يستبدلوا ذلك بما وعدوهم به من عرض الدنيا، وقال ابن عظية: هذا نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله أو فعل ما يجب عليه تركه، فالمراد بعهد الله تعالى ما يعم ما تقدم وغيره ولا يخفى حسنه {إِنَّمَا عِنْدَ الله} أي ما أخبأه وادخره لكم في الدنيا والآخرة {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} من ذلك الثمن القليل {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم من أهل العلم والتمييز، فالفعل منزل منزلة اللازم، وقيل: متعد والمفعول محذوف وهو فضل ما بين العوضين والأول أبلغ ومستغن عن التقدير، وفي التعبير بأن ما لا يخفى، والجملة تعليل للنهي على طريقة التحقيق كما أن قوله تعالى: {مَا عِندَكُمْ} إلخ. تعليل للخيرية بطريق الاستئناف أي ما تتمتعون به من نعيم الدنيا بل الدنيا وما فيها جميعًا {يَنفَدُ} ينقضي ويفنى وإن جم عدده وطال مدده، يقال: نفد بكسر العين ينفد بفتحها نفادًا ونفودًا إذا ذهب وفنى، وأما نفذ بالذال المعجمة فبفتح العين ومضارعه ينفذ بضمها {وَمَا عِندَ الله} من خزائن رحمته الدنيوية والأخروية {بَاقٍ} لا نفاد له؛ أما الأخروية فظاهر، وأما الدنيوية فحيث كانت موصولة بالأخروية ومستتبعة لها فقد انتظمت في سلك الباقيات الصالحات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أن المراد بما عند الله في الموضعين الثواب الأخروي واختاره بعض الأئمة، وفي إيثار الاسم على صيغة المضارع من الدلالة على الدوام ما لا يخفى.
ورد بالآية على جهم بن صفوان حيث زعم أن نعيم اجلنة منقطع، وقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ} بنون العظمة وهي قراءة عاصم وابن كثير على طريقة الالتفات من الغيبة إلى التكلم تكرير للوعد المستفاد من قوله سبحانه: {إِنَّ مَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النحل: 95]. على نهج التوكيد القسمي مبالغة في الحمل على الثبات على العهد.
وقرأ باقي السبعة بالياء فلا التفات.
والعدول عما يقتضيه ظاهر الحال من أن يقال: ولنجزينكم بالنون أو بالياء أجركم بأحسن ما كنتم تعملون للتوسل إلى التعرض لأعمالهم والأشعار بعليتها للجزاء أي والله لنجزين {الذين} على العهد أو على أذية المشركين ومشاف الإسلام التي من جملتها الوفاء بالعهود وإن وعد المعاهدون على نقضها بما وعدوا {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} مفعول {لنجزين} أي لنعطينهم أجرهم اخلاص بهم بمقابلة صبرهم {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهو الصبر فإنه من الأعمال القلبية، والكلام على حذف مضاف أي لنجزينهم بجزاء صبرهم، وكان الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه فهو رأسها قاله أبو حيان.
وفي إرشاد العقل السليم إنما أضيف الأحسن إلى ما ذكر الأشعار بكمال حسنة كما في قوله تعالى: {وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} [آل عمران: 148]. لا لإفادة قصر الجزاء على الأحسن منه دون الحسن فإن ذلك مام لا يخطر ببال أحد لاسيما بعد قوله تعالى: {أَجْرَهُمْ} فالإضافة للترغيب.
وجوز أن يكون المعنى لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم أي لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزي الحسن منها بالحسن والأحسن بالأحسن، وفيه ما لا يخفي من العدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصبر من بعض جزع ونظمه في سلك الصبر الجميل، وأن يكون {أَحْسَنُ} صفة جزاء محذوفًا والإضافة على معنى من التفضيلية أي لنجزينهم بجزاء أحسن من أعمالهم، وكونه أحسن لمضاعفته، وقيل: المراد بالأحسن ما ترجح فعله على تركه كالواجبات والمندوبات أو بما ترجح تركه أيضًا كالمحرمات والمكروهات والحسن ما لم يترجح فعله ولا تركه وهو لا يثاب عليه.
وتعقبه في الإرشاد بأنه لا يساعده مقام الحث على الثبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنة المخصوصة والترغيب في تحصيل ثمراتها بل التعرض لإخراج بعض أعمالهم من مدارية الجزاء من قبيل تحجير الرحمة الواسعة في مقام توسيع حماها، وقيل: المراد بالأحسن النفل، وكان أحسن لأنه لم يحتم بل يأتي الإنسان به مختارًا غير ملزم، وإذا علمت المجازاة على النفل الذي هو أحسن علمت المجازاة على الفرض الذي هو حسن، ولا يخفى أنه ليس بحسن أصلًا. اهـ.